· التوبة: فالتوبة بداية العبد التقي ونهايته لا تفارقه ولا يزال فيها إلى الممات، وحقيقـة التوبة: الندم على ما سلف، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل، والتحلل من الآدمي إن كان في حقّه، والتوبة فرض دائم على كلّ مسلم على قدر استطاعته وهي واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها في معصية صغيرة ولا كبيرة، إذ هي عنوان الفلاح وطريقُه، قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور: 31]، فعلّق الفلاح بالتوبة تعليقَ المسبَّب بسببه ثمّ أتى بأداة "لَعَلَّ" المشعرة بالتّرجّي فكان المعنى أنه لا يرجو الفلاح إلاّ التائبون، والتوبة التي تعالج الذنب وتمحو أثره هي التوبة النصوح، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾[ التحريم: 8] تلك هي التوبة المقبولة، يتردّد صاحبها بين خوفٍ ألاّ تقبل، ورجاء أن تقبل مع إدمان في الطاعات(٢- انظر اختلاف عبارة العلماء في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولاً في تفسير القرطبي: 18/197-199).
· الاستغفار: وهو طلب المغفرة بالقلب واللسان والجوارح، وهو يتضمن العزم الجازم على ترك ما يغضب الله والإقبال على ما يحبه، هذا، والمغفرة تُذْكَرُ في مقابلة العذاب، لأنّ العذاب يحصل بسبب الذنوب، والمغفرة من الله مانعة من عذابه، ولا يكون ذلك إلاّ بصحة العزم على الإقبال على الله عزّ وجلّ وترك الذنوب والآثام، قال الله تعالى: ﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾[البقرة:175] وإذا كانت التوبة أبلغ في الدلالة على رجوع العبد من معصية الله تعالى إلى طاعته والقيام بأمره، فإنّ الاستغفار أبلغ في الدلالة على الاعتراف بالذنب والندم عليه وطلب إزالة أثره، لذلك كثيرًا ما يُقْرَنُ بين الاستغفار والتوبة، قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾[المائدة:74] وقوله تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾[هود: 3]، غير أنّ الذنوب - وإن كانت محل مغفرة - إلاّ أنّه يستثنى منها الشرك لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48] لذلك كان التوحيد أساس المغفرة وسببها الأعظم، ومن فقد التوحيد فقد المغفرة، ومن جاء مع التوحيد بقُراب الأرض خطايا لقيه الله بقُرابها مغفرة، على أنّه موكول إلى مشيئة الله وفضله: إن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، فعن أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» (٣- أخرجه الترمذي:5/548، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة(127) و(128) وفي صحيح الترمذي:3/455 رقم(3540))،
هكذا تتصاغر الذنوب أمام نور توحيد الله سبحانه وتعالى، فعاقبة المذنب من الموحدين الجنة وعدم الخلود في النار، فلا يُلْقَى فيها كما يُلقى الكفار ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار، فمن وحّد الله واستغفر وتاب وقام بشروط التوحيد أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلّها ونجى من النّار بالكلية، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر:53] ذلك لأنّ المغفرة المطلقة من الله سبحانه وتعالى تتضمّن إزالة أثر الذنوب والوقاية من شرِّها.
هذا، ومن ثمرات الاستغفار: اطمئنان القلب وانشراح الصدر وجلاء الهمّ والغمّ، والاستبشار برحمة الله ورضوانه، ومن ثمرات الاشتغال به شغل لسانه عن غيره، وانبعاثٌ في نفسه معاني الصفح والعفو وحسن الخلق.